Cherreads

Chapter 7 - الفصل السابع : ماقبل الرقصة

في الليلة الثانية، وقبل أن يُطفئ ضوء غرفته، جلس ديفد على الطاولة الخشبية الصغيرة، وأخرج دفترًا قديماً.

دفتر أسود.

عنوانه محفور بخيوط فضية باهتة:

"الفصل السابع عشر: الرقصة الطويلة"

كان هذا الفصل بالنسبة له نقطة الذروة… نقطة التحول الحاسمة.

كتبَه بعناية، كلمةً بكلمة، وهو يعرف أن بعده لن يبقى شيء كما كان.

**

(تذكّر، ديفد… تذكّر ماذا فعلت.)

**

بدأ يقلب الصفحات ببطء، بينما يرتجف إصبعه كأنه يلمس شظايا لا حبرًا.

"افتُتحت الرقصة الطويلة في القاعة الذهبية، تحت قبة المانا.

كانت الجدران مضاءة بألف تعويذة من الضوء الكريستالي، وكل نبيل يرتدي عظمةً أكثر مما يملك.

أما كورماستون، فدخل متأخرًا… كما أراد."

**

(نعم… جعلتُ ديفد يظهر في اللحظة التي تسبق إعلان الملك عن ورثة العرش الجدد.

كانت تلك لحظة مسرحية، مقصودة.

خطوته على الأرض كانت تمزق الصمت.)

**

"خطوة كورماستون دوّت في القاعة كصفعة.

كل الرؤوس التفتت.

بعضهم ازدرى، بعضهم خاف، والبعض… ابتسم لأن المصيبة وصلت."

**

ابتسم ديفد بسخرية.

(حتى وأنا الكاتب… كنت أكره كورماستون.

لكني أحببت قوته، عناده، وتلك القدرة المريبة على تحويل أي قاعة إلى ساحة حرب.)

(لكنني أعطيتُه ذلك فقط… لكي أُسقطه من الأعلى.)

**

تابع القراءة.

"ثم جاء الأمير الرابع.

لم يكن مُدرجًا في جدول الضيوف.

لم يلبس التاج، بل عباءة سوداء لا شارة فيها.

وحده كورماستون لاحظ الرمز المرسوم على كمه الداخلي:

ثلاث عيون مغلقة."

**

هنا توقف ديفد.

رفع رأسه عن الدفتر.

(ذلك الرداء… هو نفس الذي أُرسل إليّ الآن.

العباءة التي كتبتها لأميرٍ لا يؤمن بالنظام… صارت لي.)

**

(هل صرت أنا الأمير الرابع؟

أم صرنا نحن الاثنان شيئًا آخر، مزيجًا؟)

**

تابع.

"في منتصف الرقصة، حين بدأ الجميع بالدوران تحت إيقاع السحر،

أوقف كورماستون الموسيقى بتعويذة لا تُستخدم إلا في الطوارئ.

'فلنرقص الحقيقة'، قالها، وهو ينظر في عيني الأمير."

"في تلك اللحظة، تغيّر العالم."

**

(نعم… في تلك اللحظة بدأ الانهيار.

كورماستون اتّهم الأمير علنًا بالتلاعب بالعقد الملكي.

والأمير؟

ردّ بابتسامة، وقال:

'أنا لم أُعد كتابة القوانين. فقط حفرتُها على جثث قديمة.' )

**

ثم بدأ الشجار.

المواجهات السحرية لم تندلع، لكنها كانت على وشك الانفجار.

كل شيء في الرقصة انكسر بعدها.

**

(وبعدها… مات كورماستون بعد خمسة فصول.)

**

لكن هناك شيءٌ آخر…

شيء لم يكتبه في الدفتر. بل أضافه في المسودة الأخيرة، ثم حذفَه من النشر.

**

فتح درجًا خفيًا في الدفتر، وأخرج ورقة مطوية.

كانت مكتوبة بخط يده… لكنه لا يتذكر كتابتها.

"في الرقصة الطويلة، يُكسر الكريستال السابع.

لا أحد يعلم ذلك.

لا حتى الكاتب.

لأنه لم يكن كاتبًا بعد."

**

(ما هذا؟

ما الكريستال السابع؟)

(هل هذه ملاحظة أضفتها في لحظة جنون؟

أم أنني كنت أعلم… أن هذه الرقصة ليست مجرد حدث سياسي؟)

**

غلق الدفتر ببطء، وأطفأ الضوء.

لكن نومه لم يأتِ.

**

في عقله، كانت تتكرر صورة الأمير الرابع.

عيناه السوداوان، ابتسامته المُنكرة لكل شيء.

وصوته، وهو يقول:

"كل رقصة… تحتاج إلى مَن ينكسر أولًا."

**

وهو الآن؟

يقف في منتصف قاعة لا يُسمح له بالمغادرة.

والأنظار كلها تنتظر.

فمن سينكسر أولًا؟

هو… أم الواقع؟

بدأ ديفد يومه مبكرًا، لكنه لم يُغادر غرفته.

جلس على طرف السرير، يحدّق في بطاقة الدعوة التي لم تعد مجرد ورقة.

كانت، بكل وضوح، إنذارًا.

**

(ما كتبته في الرواية لم يكن بهذا الغموض.

كانت الرقصة الطويلة ذروة درامية.

لكنها الآن… صندوق مغلق ينتظر الانفجار.)

(وما يخيفني أكثر… أن ما يحدث لم أكتبه.

أحداث تتغير. شخصيات تتحرك دون إذني.)

(هل أنا ما زلت أملك القصة؟)

**

نهض.

ارتدى عباءة خفيفة، وأخفاها بوشاح عادي.

هدفه الأول هذا الصباح: الأستاذ إليرون.

ليس أقوى أساتذة الأكاديمية، لكنه كان من القلائل الذين وُصفوا في الرواية بأنهم "حاملو ذاكرة النظام".

شخص يعرف ما لا يُقال.

وشخص كان، سرًا، من أتباع الأمير الرابع.

**

وجد الأستاذ في الحديقة الجانبية، يعتني بنبتة مانا نادرة، ذات جذور متوهجة.

"أنت بعيد عن محاضرتك، كورماستون."

"وأنت تهرب من قاعة المحاضرات منذ عامين، إليرون."

ضحك الرجل القصير، دون أن ينظر إليه.

"هل جئت تسألني عن الرقصة؟"

ديفد صمت.

ثم جلس بجواره، على صخرة منخفضة، وقال:

"أريد أن أعرف… لماذا دُعيت من قبل العائلة الملكية؟

لماذا الآن؟

ولماذا أنا؟"

إليرون لم يجب فورًا.

قص غصنًا جافًا من النبتة، ثم قال:

"لأنك… الناقل."

"الناقل؟"

"كل رقصة عظيمة تحتاج إلى من يحمل الشرارة بين الأطراف دون أن يُحترق فورًا."

"هذا ليس تفسيرًا."

"وأنا لم أُدعَ لأفسّر."

**

ديفد ضغط على أسنانه.

"الأمير الرابع.

ما علاقته بي؟"

إليرون توقف عن تقليم النبات.

ثم التفت إليه، وقال بصوت منخفض:

"العلاقة التي نجهلها… أخطر من تلك التي نعرفها.

لكنني سأقول لك شيئًا لم أقله من قبل:

الأمير الرابع… لم يختف.

لقد انسحب."

"إلى أين؟"

"إلى داخلكم، أنتم الذين تشبهونه.

هو لا يُقتل… بل يتوزع."

**

(يتوزع؟

هل يعني أنه زرع شيئًا… فيّ؟

أم أن هذا كلام رمزي؟)

"قال جملة ذات مرة:

'حين أكتب آخر فصل لي، أُصبح مجرد حبر في فم من بعدي.'

هل تعتقد… أنني أنا من بعده؟"

إليرون لم يبتسم.

ولم يضحك.

لكنه قال:

"لا أحد يكتب الرقصة الطويلة.

هي التي تكتبك."

**

لم يُجبه ديفد.

نهض وغادر، لكنه لم يعد كما خرج.

كان هناك شيء يتحرك في داخله… ليس مانا، بل ما يشبه الصدى.

**

بعد الظهيرة، اختبأ في قاعة المرايا القديمة، إحدى أبرد أركان المكتبة.

فتح دفتره مرة أخرى، وكتب:

"النسخة الأصلية:

كورماستون يتحدى الأمير الرابع، يُسقط ثلاثة من النبلاء، ويتعرّض لمحاولة اغتيال فاشلة.

بعد الرقصة بخمسة فصول… يُقتل."

"نسخة العالم الحالي:

كورماستون لم يتحدّ أحدًا بعد.

لكن الأمير أرسل رداءه.

لم يظهر علنًا… لكن ظله في كل مكان.

دُعيت إلى الرقصة قبل موعدها…

ومن طرف الملكيين، لا عائلتي."

**

ثم كتب بخطٍ أكبر:

"السيناريو تغيّر."

**

(لكن هل تغير بسبب وجودي هنا؟

أم لأن هناك من دخل معي؟

كاتب آخر؟

أو بطل آخر؟)

(أين هو بطل الرواية؟)

(كان يجب أن يظهر مع بدء الرقصة.)

**

رفع رأسه فجأة.

(ماذا لو ظهر… قبل الموعد؟

ماذا لو لم يتبع سيناريو ظهوره الأصلي؟

ماذا لو كان الآن… يتدرّب، يتقوّى، ويتربص… بي؟)

**

فجأة، سمع حركة عند الباب.

شخص ما دخل القاعة.

نهض بهدوء، وسار نحو الزاوية.

أطل برأسه من خلف الرف…

ورأى فتى.

شعره أسود. بشرته بيضاء. عيناه… ذهبية.

كان يحمل كتابًا واحدًا.

كتاب عنوانه:

"تاريخ الدم في عهد العائلات العشر"

**

(لا يمكن أن يكون… لكن من غيره؟)

(إنه هو.)

(البطل ظهر.)

**

لكن الأغرب؟

أن البطل نظر إليه مباشرة، وكأنه يعرفه.

ابتسم بخفة، دون أن يقترب.

ثم غادر القاعة… تاركًا الكتاب على الطاولة.

**

ديفد تقدم ببطء، وأخذ الكتاب.

فتحه.

وجد جملة مكتوبة بقلم مختلف، في الصفحة الأولى:

"الرقصة لا تُراقص فيها الجميع.

بعضها يُرقَص للقتل."

**

 "يوم ما قبل الرقصة"

لم يكن الصباح عاديًا.

حتى الهواء بدا وكأنه يراقب.

في طرقات الأكاديمية، اختفى صخب الطلاب المعتاد. أصبح الكلام همسًا، والهمس شكوكا، والشكوك… أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.

كان يومًا بلا فصول، بلا تمارين، بلا أساتذة.

اليوم الذي يسبق الرقصة الطويلة.

**

في ساحات الأكاديمية، بدأت تظهر خيم صغيرة تحمل ألوان العائلات الكبرى. خدم، حراس، ومبعوثون يتنقلون كخيوط خفية تنسج شيئًا لا يُرى.

في الزاوية الجنوبية من الساحة الرئيسية، وقف تمثال من المانا على هيئة طائر ممدد الجناحين، لم يكن هناك في الأمس.

عليه، كُتبت جملة واحدة:

"المانا لا تحكم… لكنها تسقط من يحاول السيطرة عليها."

**

(هذا تمثال مؤقت… لكن الجملة قديمة.

كانت جزءًا من ديباجة مخطوطة "مانا الأصل"، الكتاب المقدس غير الموثّق الذي ذكرته مرة في الرواية، ثم تجاهلته.)

(من وضعه؟

ومن يلمّح لمن؟)

**

ديفد راقب بعينيه كل شيء، لكن عقله ظل يدور في الحلقة الأخطر:

البطل.

الفتى الذي رآه بالأمس.

أسود الشعر. أبيض البشرة. عيناه ذهبيتان.

تمامًا كما كتب.

لكن وجوده الآن يُهدد كل شيء.

كل لحظة تمر تقربه من الظهور العلني… ومن الاصطدام الحتمي.

**

(في النسخة الأصلية، يظهر البطل في الرقصة حين تُهان إحدى الفتيات من العامة.

يتدخل دون دعوة. يكسر تعويذة نبيل علنًا.

ومن هناك، ينقلب التوازن.)

(لكن ماذا لو لم ينتظر الرقصة؟)

(ماذا لو تحرّك… الآن؟)

**

خرج ديفد من غرفته دون عباءة. لم يكن يريد أن يُرى كورماستون… بل مجرد ظل يتحرك.

ذهب أولاً إلى السجل العام للأكاديمية — مبنى صغير في طرف الساحة، يحتفظ بقائمة أسماء الطلاب وأماكن إقامتهم.

دخله خفية، وسحب دفتر التوزيع.

بحث عن وصف الفتى… لكن لم يجده.

لا اسم، لا رقم، لا حجرة.

**

(ليس مسجلاً.)

(لكن منحه سحر دخول. ومنحه كتابًا من المكتبة.

إذًا، أحدهم أرسله.)

**

(من؟

ومن يجرؤ على إخفاء شخص بهذه المواصفات؟)

**

في الخارج، لاحظ شيئًا جديدًا:

حاجز مانا شفاف نُصب حول قاعة الاحتفالات الكبرى.

كان يرتجّ بخفوت، كما لو كان يتحرك بتنفس حي.

**

(تفعيل الحاجز قبل موعد الرقصة بيوم؟

هذا غير معتاد.)

(إنهم يتحسبون لهجوم… أو يعدّون له.)

**

عاد إلى سكنه، ليجد على باب غرفته مغلفًا أحمر، يحمل ختمًا ملكيًا.

فتحه.

كانت فيه ورقة واحدة، مكتوبة بلغة قديمة، استخدمها في الرواية فقط لكتابة العقود السفلية.

"حين تبدأ الرقصة، ابقَ في منتصف القاعة.

لا تتحرك. لا تتكلم.

حين ترى الضوء الثالث، قف.

إن لم تفعل… لن يُعاد تشكيلك."

**

(تُعاد تشكيلك؟)

(ما معنى هذا؟)

(ومن الذي يكتب إليّ بهذه اللغة؟)

**

جلس.

كان عقله كأنما يقطر نارًا باردة.

الرسائل تأتيه من كل الجهات.

لكن البطل، في المقابل… لم يفعل شيئًا.

الصمت الذي يسبق العاصفة،

أم خطة من نوع آخر؟

**

كتب في دفتره:

"إذا تحرك البطل قبل الرقصة، قد أستفيد من الفوضى.

إذا بقي مختبئًا… فهذا يعني أنه ينتظر شيئًا."

"لكن هناك شيء آخر يقلقني أكثر:

الجميع يتحرك… وأنا فقط أراقب."

"الكاتب لا يراقب.

الكاتب يسبق.

لكن في هذا العالم… صرت أتأخر."

**

عند الغروب، سمع طرقًا على الباب.

فتح.

وجد فتاة خادمة من الأكاديمية، عيناها خضراوان خافتتان.

قالت:

"سيدي، أحدهم ينتظرك في القبو الثالث. قال:

'الراقصون لم يصلوا جميعًا، لكن العازف مستعد.'"

**

ديفد لم يتردد.

**

(إذا كانت الفوضى قادمة، فأنا لا أريد أن أكون في المقدمة… لكني لن أكون في المؤخرة.)

**

كانت الشمس قد غربت تمامًا عندما أغلق ديفد باب غرفته خلفه.

في يده، ما زالت الورقة التي سلّمتها له الخادمة قبل ساعة.

كلماتها كانت تنغرس في رأسه كلما أعاد قراءتها:

"حين تبدأ الرقصة، ابقَ في منتصف القاعة.

لا تتحرك. لا تتكلم.

حين ترى الضوء الثالث، قف.

إن لم تفعل… لن يُعاد تشكيلك."

(أمر؟ تحذير؟ نبوءة؟

وأي نوع من التهديد هو "لن يُعاد تشكيلك"؟)

لم يكن يملك إجابات، لكنه فهم شيئًا واحدًا:

شخصٌ ما يعرفه. ويتوقع منه تصرفًا محددًا.

والأخطر… أن هذا الشخص لا يتبع قواعد الرواية التي كتبها هو.

مرّ عبر الممرات الخلفية بهدوء، متجنبًا أي طالب أو خادم.

الطريق المؤدي إلى القبو الثالث لم يكن مستخدمًا منذ زمن.

هذا الجزء من الأكاديمية دُفن طواعية. لا أحد يقترب منه، لا أحد يسأل عنه.

لكن الجدار الحجري في آخر الممر انفتح له كما لو كان يتنفس ببطء.

(من الذي منحني الإذن بالدخول؟)

(ولماذا الآن؟)

السلالم التي نزلها كانت متآكلة، باردة، وصامتة.

الهواء تغير تدريجيًا كلما تعمّق أكثر.

صار أكثر كثافة… كما لو كان يحمل ذاكرة لا هواء.

وصل إلى القاع.

باب خشبي مائل، نصفه مكسور، والنصف الآخر محفور عليه رمز يشبه ثلاث نقاط داخل دائرة — لم يسبق له أن استخدم هذا الرمز في روايته، لكنه شعر أنه يعرفه.

دفع الباب ودخل.

الغرفة كانت واسعة، مربعة، من الحجر الأسود.

الضوء فيها خافت، يصدر من مشاعل قديمة لم تشتعل، لكنها تُنير.

في المنتصف، طاولة طويلة، وعلى طرفها جلس رجل مجهول.

ملامحه غير مميزة: شعر رمادي، وجه نحيف، عباءة داكنة بلا رمز.

بدا وكأنه شخص لا يريد أن يتذكره أحد.

ديفد لم يتحرك.

الرجل هو من بدأ الكلام:

"كنت أتوقعك أبكر قليلاً."

ديفد لم يرد.

اقترب خطوة، وقال:

"من أنت؟ ولماذا أُرسل إليّ؟"

"أنا لست العدو، إن كان هذا سؤالك الأول."

"ولست الصديق أيضًا، أليس كذلك؟"

ابتسم الرجل بخفة، دون أن يرفع صوته.

"الصداقة تحتاج إلى ثقة. ونحن في عالم لا يثق بأحد."

على الطاولة، وُضع صندوق صغير.

"افتحه،" قال الرجل.

"لماذا؟"

"لأنك كتبت ما فيه."

ديفد شعر بارتباك.

"أنا لم أكتب شيئًا عن هذا القبو أو عنك أو عن صندوق…"

"بل كتبت، ثم محوت.

لكن بعض الأشياء تبقى، حتى لو لم تُنشر."

ببطء، مد يده وفتح الصندوق.

في داخله… قناع.

نصفه الأيمن ذهبي، لامع، والنصف الآخر محترق، كأن النار لامسته ورفضت أن تحترق فيه.

"هذا القناع…" قال ديفد بصوت منخفض.

"نعم. القناع الذي ارتداه الأمير الرابع في المسودة الأولى.

التي لم تنشر."

(كيف يعرف عن المسودة؟

هذه لم يقرأها أحد سواي.)

"من أنت؟"

"سؤالك خطأ.

السؤال الأهم: من الذي دخل إلى الرواية… قبلك؟"

سكت ديفد.

"ماذا تقصد؟"

"أنت لست أول من كتب هذا العالم… من الداخل."

"هناك… غيري؟"

"بالتأكيد.

شخص قرأ روايتك قبل أن تكتب نهايتها.

دخل عبر ثغرة صغيرة، وأعاد ترتيب القواعد."

"أين هو الآن؟"

"في الداخل، مثلك.

لكنك لن تتعرف عليه بسهولة."

"هل هو البطل؟"

"ربما.

وربما أحد الظلال."

ديفد شعر بالتوتر يتضاعف.

"إذا كان ما تقوله صحيحًا… فلماذا أخبرتني؟

لماذا الآن؟"

"لأن الرقصة غدًا.

وما تفعله هناك سيحدد مصير العالم… وربما نهايتك."

"لا أفهم."

"ستفهم حين ترى الضوء الثالث."

"هذه العبارة… كانت في الرسالة أيضاً."

"هي مفتاح الحدث.

في الرواية الأصلية، هناك لحظة صمت قبل أن يبدأ الانهيار.

تُضاء فيها ثلاث أنوار سحرية.

الضوء الثالث… هو لحظة الاختيار."

"اختيار ماذا؟"

"إما أن تلبس القناع…

أو تصبح هدفًا."

ديفد جلس على الكرسي المقابل.

عيناه لا تبتعدان عن القناع.

"وهذا القناع… إذا لبسته؟"

"ستأخذ مكانًا لم يُكتب لك من قبل.

لكنه المكان الوحيد الذي قد يحميك."

"وأنت… ما دورك في هذا؟"

"أنا مجرد شخص يتذكر الأشياء التي نُسيت.

وأحذر الكاتب… عندما يبدأ نصه بقتله."

مرت لحظة صمت.

"هل سأموت؟" سأل ديفد أخيرًا.

"هذا ما كُتب.

لكنك الآن خارج المسار."

"هل يمكنني تغييره؟"

"ربما.

لكن كل تغيير… له ثمن."

ديفد وقف.

"ما الذي يجب أن أفعله؟"

"راقب.

لا تتحرك حتى ترى الضوء الثالث.

حينها، ستعرف الإجابة."

"ومن أكون في هذا؟"

"أنت الكاتب.

لكنك لست الوحيد… الذي يكتب الآن."

خرج ديفد من القبو وهو يحمل القناع بين يديه.

وجهه كان شاحبًا، عرقٌ بارد يلمع على جبينه.

كل شيء صار أوضح… لكنه في العمق ازداد غموضًا.

(إذا لم أتحرك… سأُقتل.

وإذا تحركت… سأنقلب على النص.)

(لكن النص نفسه… لم يعد ملكي.)

(وغدًا… في الرقصة…

سأعرف من ما زال يرقص، ومن بدأ يكتب.)

خرج ديفد من القبو الثالث والقناع ما زال في يده. كان قد لفّه بقطعة قماش من عباءته، وأخفاها في حقيبته الداخلية بحذر، كما لو كان يحمل شيئًا سامًا. لم يكن هناك صوت في الممر، لكن دقات قلبه كانت تكفي لملء الصمت. يداه ترتجفان قليلًا، وذهنه يغلي بالأفكار المتقاطعة.

(قناع، كاتب آخر، ضوء ثالث… كل هذا جنون. لكن إن افترضت أنه جنون فقط، فسوف أكون أضعف من الواقع. لا، هذا العالم لا يسمح بالارتباك. من الآن، لا وقت للتردّد.)

عاد إلى غرفته في الطابق السادس، وأغلق الباب بهدوء. لم يشعل أي شمعة. جلس في الظلام، مستندًا إلى الحائط، يحاول أن يرتّب كل ما رآه وسمعه. كان صوت الرجل في القبو لا يزال يهمس في رأسه، يكرر تلك الجملة:

"ما تفعله في الرقصة سيحدد مصيرك… وربما مصير العالم."

(في الرواية الأصلية، كانت الرقصة لحظة كشف. ساحة للسياسة، للفضائح، للقتل الرمزي. لكنها لم تكن لحظة قرار وجودي. الآن؟ أصبحت كل شيء. أصبحت النقطة التي يتجمّع حولها الخط الزمني… ويتشظّى.)

نظر إلى السقف. كان قد كتب أن القبو الثالث خُتم بأمر من الأمير الرابع بعد حادثة "الانفصال الأسود". لكن ذلك الحدث لم يحدث بعد. أو على الأقل، لم يُذكر أنه حدث.

(هل أنا في المستقبل؟ أم أنني أعيش نسخة محوّرة من الماضي؟)

نهض، وفتح دفتره الصغير. هذا الدفتر لم يكن سحريًا، بل دفتر ملاحظات قديم من عالمه الأصلي. كتَب فيه بسرعة، بخط متوتر:

"أشياء أعرفها:

الرقصة الطويلة هي نقطة الانقلاب. الأمير الرابع لا يظهر عادةً بنفسه، بل من خلال وكلاء. البطل لم يتدخل بعد، لكنه موجود. أنا لست الكاتب الوحيد. شخصٌ ما يريدني أن ألبس القناع."

توقف لحظة، ثم كتب بخط أكبر:

"إذا ارتديت القناع، أُصبح جزءًا من خطة لا أفهمها.

إذا لم أرتده، قد أموت."

أغلق الدفتر.

(أنا بحاجة إلى حليف. لكن من؟ لا أحد يثق بي. ولا أحد أثق به.)

مشاعره كانت خليطًا من الخوف، الغضب، والارتباك. لم يكن ديفد كورماستون الذي يعرفه الجميع — ذلك المتغطرس المجرم الغامض — بل كان كاتبًا خائفًا، عالقًا في سيناريو فقد السيطرة عليه.

وفي الخارج، في الممر، مرّت خادمة أخرى. لم تتوقف، لكنها التفتت إليه للحظة، وكأنها تعرف. ثم تابعت سيرها.

(الجميع يراقب. الجميع يعرف شيئًا لا أعرفه.)

اقترب من النافذة، نظر إلى الساحة. كانت الخيام لا تزال قائمة. الحرس الملكي يُفتّش المدخل، والمبعوثون يأتون واحدًا تلو الآخر. فوق بوابة القاعة الكبرى، نُصبت راية تحمل شعارًا لم يره من قبل: عين تتدلّى منها دمعة من مانا.

(هذا ليس في الرواية.)

(أحدهم يكتب من جديد… لكنه لا يكتب بالكلمات. بل بالأفعال.)

عاد إلى الطاولة، وجلس بهدوء.

(سأراقب غدًا. سأتبع التعليمات. وسأقرر في اللحظة الأخيرة.)

(لكن إن كانت هذه رقصة… فأنا لن أكون مجرد راقص.)

(سأكون الكسر في الإيقاع. الخطأ في الموسيقى. الجُملة التي لا تنتهي بنقطة.)

عدت إلى غرفتي بصمت، لكن شيئًا في داخلي كان يغلي. كيف وصلت إلى هذا؟ من كان يظن أنني سأدخل إلى عالم روايتي…؟

جنون.

لو قيل لي هذا قبل عشر سنوات، كنت سأضحك بجنون، ربما سأبكي من الفرح. لكن الآن… في جسد شخصية كرهتها، ديفد كورماستون؟ الشخصية التي جعلتها مزيجًا من كل شيء مكسور؟ الأمر مختلف.

رغم كل شيء، ربما بدأت أفهمه.

كان يريد أن يكون قويًا، أن يُحترم، أن يتفوق على كل مَن سخروا من موهبته. لكن ذلك لم ينجح.

كنت أظنه شيطانًا. الآن… أراه ضحية أيضًا.

وأحيانًا، أظن أنني السبب في كل ما حدث له.

كنت أكتب لمجرد أن أُرضي ذاتي التافهة…

ذات تبحث عن الاحترام، عن كلمات المديح، عن تعليقات من قرّاء لا أعرفهم، يناقشون عبقريتي في صياغة الحبكة. أردت أن أكون "الكاتب العظيم".

لكن ذلك لم يحدث.

كل شيء بقي في الظل.

أحاول أحيانًا أن أتذكر حياتي قبل هذه الرواية. قبل ديفد. قبل هذا الجسد. قبل الأكاديمية.

لكن لا أستطيع.

عائلتي؟ لا أتذكر وجهًا واحدًا.

أصدقائي؟ لا أسماء، لا ملامح.

اسمي الحقيقي؟ فارغ.

شكلي؟ لا صورة في ذهني.

كل مرة أحاول، يضربني صداع كأن عينيّ تحترقان.

كل ما تبقى في ذاكرتي هو شيء واحد فقط: تلك الغرفة الباهتة، غرفتي القديمة…

المكان الذي كتبت فيه روايتي.

والموت.

أنا لا أتذكر كيف عشت… لكنني أتذكر جيدًا كيف مت.

لم تكن سكتة قلبية، ولا حادثًا مفاجئًا.

متّ ببطء، وأنا أراقب كل أحلامي وهي تنهار.

الجوع، الصمت، الوحدة.

جلست على الأرض، لم أستطع حتى أن أصرخ.

لم يكن هناك أحد ليسمع.

سقطت دموعي بصمت.

تذكرت نفسي القديمة، المكسورة.

أنا لم أكن أملك شيئًا لأخسره.

لكن مشاهدة روايتي — الشيء الوحيد الذي أعطيته حياتي — وهي تُنسى…

ذلك كان أسوأ من الموت.

أن تعيش وتموت دون أن يعرف أحد أنك وُجدت.

هذا أقسى من الوحدة.

أقسى من البرد.

أقسى من الجوع.

أقسى من أي شيء.

بكيت كثيرًا ذلك اليوم. بكيت حتى لم أعد أشعر بوجهي.

ثم… لا أعلم متى نمت.

لكن حين استيقظت، كان الضوء مختلفًا.

الجو ثقيل، لا يشبه الأيام العادية.

عرفت فورًا ما هو هذا اليوم.

اليوم الذي ستُكشف فيه الأوراق.

.يوم الرقصة الطويلة

الكاتب /

 5. عُقد المانا الكبرى (نقاط الطاقة)

نقطة النبض الملكي – تحت عرش التوازن عين الغابة – في قلب الغابة الحمراء الهاوية الأولى – شمال الجبال جذع العالم – في معبد تحت أراضي نارينفال النقطة المنسية – لا يُعرف مكانها، لكنها مرتبطة بأسطورة "الكاتب الأصلي" الذي حاول كتابة الواقع.

✒ خريطة غير مكتملة

كثير من المواقع في هذا العالم لم تُكتشف بعد…

والبعض منها لا يمكن رؤيته إلا بعد أن "تنهار الرقصة الطويلة"

More Chapters